26 ديسمبر 2021 - 15:12
النظام السعودي يتخذ اساليب شيطانية لقمع انتفاضة الكرامة 2011 ولفرض العقاب الجماعي على القطيف والأحساء

المواكبون لحراك القطيف والأحساء يعرفون جيداً أن الشيخ النمر حرص منذ البداية على التزام مبدأ السلمية في مواجهة النظام السعودي.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ منذ انطلاق حراك القطيف والأحساء بقيادة الشهيد آية الله الشيخ نمر باقر النمر عام ٢٠١١ خاض النظام السعودي حرباً إعلامية موزاية للهجوم العسكري والأمني ضد الشيخ النمر وأهالي المنطقة. في بداية الحراك، عمل النظام على تفكيك شيفرة الشيخ النمر على مستويين.

الأول ضرب صورة الشيخ لعدم التفاف الأهالي حوله، والثاني تمثّل في شيطنة أهالي القطيف والأحساء بوصفهم “إرهابيين” يعملون على إثارة الشغب وتدمير البلد، في محاولة لتأليب الرأي العام ضدهم وعزلهم عن بقيّة مكوّنات المجتمع كي لا يتأثرون بالتجربة الجديدة.

المواكبون لحراك القطيف والأحساء يعرفون جيداً أن الشيخ النمر حرص منذ البداية على التزام مبدأ السلمية في مواجهة النظام السعودي.

هو صاحب قول: “زئير الكلمة أقوى من مواجهة أزيز الرصاص”، الذي أصبح دستوراً يحكم حركته.

وبهذا الدستور خاض نضاله طيلة حياته حتى استشهاده في يناير/ كانون الثاني 2016.

شيطنة الحراك

اتهم الشيخ النمر بإلقاء الخطب الدينية التي تهدّد الوحدة الوطنية وتهين الملك وتحرّض على هتافات مناهضة للدولة وتدعو لتذكّر ضحايا العنف الممارس من قبل الحكومة وتشجّع الناس على التظاهر.

وخلال المحاكمة، طلب القاضي من المدعي العام تقديم ٢١ خطاباً للشيخ نمر كدليل ضده.

الحقيقة بحسب دراسة قامت بها منظمة العفو الدولية أن الشيخ النمر لم يدعو للعنف في خطبه بل كان يمارس فقط حقه في حرية التعبير.

في نهاية المطاف، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب على الشيخ النمر بالإعدام بالإستناد إلى لائحة من التهم الغامضة تتعلق بأنشطته السلمية.

كما حكم عليه بتهمة “عصيان الحاكم” و “التحريض على الفتنة الطائفية” و”التشجيع على المظاهرات وقيادتها والمشاركة فيها”.

والأمر الأكيد أنه لم يكن للشيخ نمر أيّة علاقة بالإرهاب أو أيّ نشاط إرهابي، لكن منذ إنشاء المحكمة الدستورية العليا في عام ٢٠٠٨، استخدمت “السعودية” المحكمة لمقاضاة وإدانة عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان بسبب أنشطتهم السلمية، بما في ذلك الشيخ نمر.

في موازاة ذلك، عمد النظام السعودي إلى “دعشنة القطيف”. وبحسب ورقة بحثية للباحث السياسي د. حمزة الحسن، بعنوان: “ما وراء (دعشنة القطيف).. نظام متهالك، وسياسيّون انتهازيّون”، بدأ الأمر بإطلاق تسمية “دواعش العوامية” على الحراك السلمي الذي انطلق في ٢٠١١، حينما كانت الحكومة تقتل الأهالي في الشوارع.

ثم بدأ استخدام المصطلح بتوسع من قبل صحافة النظام، حتى صار الإعلام الرسمي السعودي يستخدم مصطلحاً آخر هو “دواعش الشيعة” مقابل دواعشها هي، لتقول للعالم بأن الإرهاب ليس نسخة من أيديولوجيتها الوهابية، أو ليس محصوراً فيها، وهذا ما يؤكده العالم يوماً بعد يوم.

أراد آل سعود بذلك القول إنه كما “للسنّة دواعشهم، فللشيعة دواعشهم، وهناك إرهاب سني وإرهاب شيعي. كل ذلك بغية تخفيف الضغط العالمي الذي يتوجه بالاتهام مباشرةً إلى الأيديولوجية الوهابية التي تنطلق من “السعودية” نفسها، فكراً وترويجاً وشباباً وتمويلاً وتحريضاً واستخداماً”، وفق الحسن.

قضية الجيراني

اتبع النظام العديد من الأساليب لتفكيك الحراك المطلبي، بما في ذلك اعتقال ومطاردة رموز الحراك والنشطاء المشاركين فيه.

في المقابل، قام باحتواء واستقطاب رموز وشخصيات لا شعبية لها في أوساط السكان، وكان منهم الشيخ المغدور محمد الجيراني الذي خُطف من أمام منزله في تاروت بظروف غامضة في كانون الاول عام ٢٠١٦.

الرجل لم يكن على علاقة طيبة مع الحراك المطلبي في منطقته، لذا تم استغلال الحادث لاتهام نشطاء شاركوا في التظاهرات الشعبية المطلبية عامي ٢٠١١ و٢٠١٢.

في الفترة التي تلت اغتيال الجيراني، قامت السلطات باتهام وشيطنة أبناء منطقة القطيف بالتورّط في عملية القتل واتهام النشطاء في الحراك السلمي المدني للمطالبة بالحقوق، وهذا ما فعلته عدة مرات اعتقال العديد من النشطاء بتهمة قتل الحيراني، أمثال علي مازن القبعة والناشط مصطفى علي المداد، بالإضافة إلى غيرها من الحوادث تحت عنوان ملاحقة المتهمين باغتيال الشيخ الجيراني.

بقيت سلطات الرياض تطارد عشرات النشطاء في القطيف لمدة طويلة، وكل عدّة أشهر، تعلن عن توجيه الاتهام لشبان جدد بالمشاركة بالعملية، حتى بلغ عدد الموجَّه لهم هذه التهمة حوالي 25 شخصًا، والغاية من الاتهام كانت لتبرير عمليات التصفية الميدانية بحقهم.

هدم حيّ المسورة

في عام ٢٠١٧ اقتحمت القوات السعودية حي المسوّرة التاريخي وسط بلدة العوامية. وبحسب شهود عيان من أهالي المدينة استقدمت القوات السعودية “عدداً من الجرافات والمدرعات المصفحة لتهديم منازل حي المسورة مسقط رأس الشيخ النمر”.

فيما تحدث آخرون عن منع السلطات السعودية الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من دخول العوامية لإسعاف الجرحى، كذلك الأمر بالنسبة للإعلاميين والصحفيين الذين منعوا من تغطية الهجوم العسكري على حي المسورة.

هدم المسوّرة جاء في نطاق سياسة الانتقام التي مارستها سلطات الرياض ضد أهالي القطيف والأحساء بعد سنوات من انتهاء الحراك.

وفي تبرير هذه الجريمة السافرة، زعمت الرياض آنذاك أن الهدف هو تأهيل وتجديد الحي التاريخي، وتارةً أخرى زعمت أن الشوارع الضيقة لحي المسوّرة القديم الذي يرجع تاريخه لأكثر من ٢٠٠ عام أصبحت مخبأ “لمسلحين شيعة يعتقد أنهم وراء هجمات على قوات الأمن في المنطقة الشرقية”.

هواتف النشطاء وثّقت آنذاك بالصور وتسجيلات الفيديو الجرافات التي اقتحمت الشوارع لتكسيرها وتجريف المنازل، وكذلك إشعال النيران فيها وإطلاق النار على البيوت من داخل سيارات مصفحة ما أدى إلى سقوط ضحايا وسط منع المسعفين من الوصول إلى المنطقة.

إعدام جماعي

وفي إطار الإنتقام الجماعي من أهالي القطيف والأحساء، نفّذت سلطات الرياض عملية إعدام بحق ٣٣ مواطناً شيعياً في ٢٣/ نيسان ٢٠١٩.

أدينوا جميعهم بتهمة الإرهاب والتجسّس لدولة أخرى، وهم أصحاب “خلية الكفاءات” .

وكلتا المجموعتين تعرضت لتعذيب مبرح من السلطات السعودية وانتزعت منها اعترافات بالقوّة.

نقلت وكالة الأنباء السعودية “واس” أن المعدومين يتبنون “الفكر الإرهابي المتطرف ويعملون على تشكيل خلايا إرهابية للإفساد والإخلال بالأمن وإشاعة الفوضى وإثارة الفتنة الطائفية والإضرار بالسلم والأمن الاجتماعي ومهاجمة المقار الأمنية باستخدام القنابل المتفجرة”، لكن الواقع هو أن معظم النشطاء الذين أعدموا أُدينوا فقط بناءً على اعترافات يقولون بمصداقية إنها انتزعت بالإكراه.

الإعدام ليس الحل للجرائم على أية حال، ويظهر إعدام السجناء جماعيًا أن القيادة السعودية الحالية ليست مهتمة إطلاقاً بتحسين سجل البلاد الحقوقي السيئ”.

..................

انتهى / 232